كتاب “كليلة ودمنة” هو أحد أهم الكتب في التراث القديم، أجمع العديد من الباحثين على أن الكتاب يعود لأصول هندية: كُتِبَ الفصول الخمسة باللغة السنسكريتية في القرن الرابع الميلادي، ومن ثم تُرجم إلى اللغة الفهلوية في أوائل القرن السادس الميلادي بأمر من كسرى الأول.
وقد ترجمَهُ عبد الله بن المقفع من الفهلوية إلى اللغة العربية في العصر العباسي وتحديدًا في القرن الثاني الهجري الموافق للقرن الثامن الميلادي وصاغه بأسلوبه الأدبي مُتصرفًا به عن الكتاب الأصلي. يُعتبر الكتاب مجموعة من الحكايات القصصية، وتدور حول الحيوانات التي تتحدث وتتصرف كالبشر في سياق ينم عن حكمة ومواعظ للحياة.
يحتوي الكتاب على خمسة عشر باباً رئيسياً، وهي: باب الأسد والثور، وباب الفحص عن أمر دمنة، وباب الحمامة المطوقة، وباب البوم والغربان، وباب القرد والغيلم، وباب الناسك وابن عرس، وباب الجرذ والسنور، وباب ابن الملك والطائر فنزة، وباب الأسد والشغبر الناسك وهو ابن آوى، وباب إيلاذ وبلاذ وايراخت، وباب اللبوة والإسوار والشغبر، وباب الناسك والضيف، وباب السائح والصائغ، وباب ابن الملك وأصحابه، وباب الحمامة والثعلب ومالك الحزين، بالإضافة إلى أربعة أبواب جاءت في أولى صفحات الكتاب، وهي: باب مقدمة الكتاب، وباب بعثة برزويه إلى بلاد الهند، وباب عرض الكتاب ترجمة عبد الله بن المقفع، وباب بروزيه ترجمة بزرجمهر بن البختكان.
القصة الرئيسية تتبع مغامرات الثعلبة كليلة والثعلب دمنة، اللذان يعيشان في غابة ويقومان بمجموعة من الأفعال الذكية والحيلة للتغلب على التحديات التي تواجههما. يتميز الكتاب بأسلوب سردي بسيط ولكنه غني بالمعاني والدروس الأخلاقية، حيث يتم استخدام أحداث الحكايات لتقديم نصائح وحكم حول الحياة والعلاقات الإنسانية.
تتضمن القصص في “كليلة ودمنة” العديد من الثيمات المتنوعة مثل الذكاء والحيلة، والصداقة والولاء، وأهمية معرفة النفس والتصرف بحكمة في المواقف الصعبة. الكتاب لا يقدم مجرد تسلية بل يحمل أيضًا قيمًا تربوية وأخلاقية تجعله مناسبًا للقراء من جميع الأعمار والثقافات.
يبدأ الكتاب بحكاية ملك الهند دبشليم، الذي كان يعاني من القلق والخوف من الخيانة، فاستشار وزيره الفيل “شادن” الذي نصحه بطلب ثعلب حكيم يُدعى كليلة من بلاد الروم. يُرسل الملك دبشليم سفراءً لإحضار كليلة، الذي يُحضر معه ثعلبًا ماكرًا يُدعى دمنة. يُصبح كليلة ودمنة مستشارين للملك، ويرويان له قصصًا وحكايات رمزية مليئة بالحكمة والمواعظ، بهدف تعليمه فنون الحكم وإدارة الدولة، وكيفية التعامل مع الأعداء والأصدقاء، وكيفية اتخاذ القرارات الحكيمة.
تتنوع حكايات كليلة ودمنة لتشمل مواضيع مختلفة مثل:
الصداقة: أهمية الصداقة الحقيقية واختيار الأصدقاء المخلصين.
الحكمة: أهمية الحكمة في اتخاذ القرارات وتسيير الأمور.
العدل: ضرورة العدل والإنصاف في الحكم بين الناس.
الصبر: أهمية الصبر في مواجهة الشدائد.
الشجاعة: أهمية الشجاعة في الدفاع عن الحقوق ومواجهة المخاطر.
يُعدّ كتاب كليلة ودمنة من أهم الكتب العربية الأدبية والفلسفية، وقد لاقى رواجًا كبيرًا منذ ترجمته إلى العربية، وترجم إلى العديد من اللغات الأخرى.
يتميز الكتاب بأسلوبه السلس وقصصه الشيقة، التي تُقدم دروسًا أخلاقية وعبرًا مفيدة في قالب ممتع.